خُصّص الموسم الأوّل (من أكتوبر 2019 إلى مايو 2020) من برامج مبادرة “موسم دولة” لدولة إثيوبيا، وجاء تحت عنوان: أمّة حديثة- جذور عريقة. اشتمل الموسم على فعاليات علمية وثقافية متنوعة. نُظّم الجّزء الأوّل؛ والذي تضمّن محاضرة علمية وعروض مسرحية وسينمائية وغنائية في حرم معهد أفريقيا في الشّارقة، بينما نُظّم الجّزء الثّاني من الأنشطة العلمية والعامة افتراضيًا على شبكة الإنترنيت في 17 أكتوبر 2020، وذلك إبّان اجتياح جائحة كوفيد 19 للعالم بأكمله.
يسعى المؤتمر العلمي متعدّد التّخصّصات بعنوان: “إثيوبيا: أمّة حديثة – جذور عريقة” إلى استضافة مجموعة متميّزة من العلماء متعدّدي التّخصّصات للنّظر في قضايا الحداثة الإثيوبية في سياق وطني ودولي. تشمل هذه القضايا العديدة، على سبيل المثال لا الحصر، صورة إثيوبيا كدولة سوداء ذات سيادة وذات تأثير واضح ومهيمن على النّقاشات المحتدمة حول العديد من الحركات التي تراوحت من حركة العموم-أفريقية إلى المركزية-الإفريقية طوال القرن العشرين. يهدف المؤتمر إلى أن يتمخض عن طرح نموذج معرفي عابر للقوميات، والذي يمكن أن يلقي الضّوء على التّعقيدات السّياسية والثّقافية والفكرية الحالية التي تحيط بأقدم دولة قومية مستقلّة في إفريقيا.
هناك الكثير فيما يتعلّق بالهويّة الثّقافية والسّياسية لإثيوبيا مما قد يكون ملهمًا للجّمهور المعاصر. على سبيل المثال، بينما تجادل الأطروحة الاستعمارية بأن إفريقيا هي اختراع فريد للاستعمار الأوروبي، فإن الأطروحة غير الاستعمارية في الدّراسات العلمية الإثيوبية ترى إثيوبيا من خلال عدسة الاستثنائية، وهي أن إثيوبيا، التي لم يتم استعمارها أبدًا، هي “في” أفريقيا بدلاً عن أنها “من” أفريقيا. ومع ذلك، كانت إثيوبيا، وما زالت، رمزًا لفخر السّود في القارة الأفريقية والشّتات الأفريقي في كل أنحاء العالم. ومن الجّدير بالذّكر هنا ما قال به الباحث الأمريكي الأفريقي الرّاحل ويليام سكوت” “بحلول النّصف الأخير من القرن الماضي، أصبحت الأيدولوجية المعروفة باسم الأثيوبانوية (Ethiopianism)، القائمة على فهم لاهوتي لفكرة الخلاص والمصير العرقي عقيدة ميتة ومرفوضة في الغالب، وبالرّغم من اضمحلال أثرها الرّاهن إلّا أنّها قد ألهمت السّود الذين ينتمون إلى المعتقدات البروتستانتية في أجزاء من الشّتات الأفريقي لما يقرب من 250 عامًا “. للحركة الإثيوبانوية تاريخ طويل، عدَّده سكوت كرونولوجيًا على النّحو التّالي: الأثيوبانوية الجّنينية 1700–1800، الإثيوبانوية المؤسّسية 1800-1830، الإثيوبانوية الكلاسيكية 1830-186، الإثيوبانوية فيما بعد التّحرّر 1865-1915، الإثيوبانوية الزّنجية الجّديدة 1915-1930، الإثيوبانوية المسيحية 1930-1945 و الإثيوبانوية الحديثة 1945 حتى الوقت الحاضر.
أبدى الباحث الأمريكي الأفريقي الراحل دبليو إي بي دو بوا اهتمامًا كبيرًا بتطوير علاقة مثمرة بين الإثيوبيين والأمريكيين من أصل أفريقي، حيث مثّلت إثيوبيا بالنّسبة له الرّغبة في إنهاء الاستعمار وتنامي الوعي العموم-أفريقي. من خلال دمج تاريخ حضارات وادي النّيل في الماضي الإثيوبي، حاول دو بوا استيعاب إثيوبيا في المجال الأوسع لدراسات السّود / الأفارقة. الأهم من ذلك، لم يكن لدى دوبوا أي قراءة مضمرة للعلاقات التّاريخية التي حدثت في وادي النّيل. وبدلاً من ذلك، فإنه يفترض أن وادي النّيل، وفقًا لما أسماه فيكرو جبريكيدان، “مفترق طرق حضاري”. كتب دوبوا ما يلي في عام 1915: “كان التّواصل بين أفريقيا والجّزيرة العربية وأجزاء أخرى من آسيا لصيقًا جدًا واستمر لفترة طويلة، لدرجة أنه من المستحيل اليوم فصل روابط الدّم التي نتجت عن ذلك التّواصل اللّصيق.” ولكن لسوء الحظ، لم يرتقي مجال الدّراسات الإثيوبية إلى مستوى رؤية دوبوا لدراسات السّود / الأفارقة، وقد اجتزأ المؤرخون المعاصرون تاريخ وادي النّيل عن تاريخ إفريقيا رافضين أي صلة بين الاثنين.
بقدر ما يساعد منظور دوبوا على فضح افتراضات المركزية- الأوربية، التي تنظر بصورة سلبية تجاه إثيوبيا وأفريقيا عمومًا، وتضع الدّراسات الإثيوبية ضمن إطار الدّراسات السّوداء، إلا أن هذا المنظور، وتحديدًا حسب ما جاء في الاقتباس أعلاه، يمكن أن يجترح أسلوبًا مغايرًا للتّفكير حول دراسة إثيوبيا باعتبارها مفترق طرق، بحيث يفسر ذلك العلاقات المادية التّاريخية لشعوبها مع بقية إفريقيا والشّتات الأفريقي والعالم العربي وآسيا، وذلك على الرغم من علاقتهم المشحونة بالسّخط مع الغرب.
في الواقع، تصدى الإمبراطور هيلا سيلاسي، وحفنة من الدّبلوماسيين الإثيوبيين الذين تكيّفوا مع الطّبقات المثقّفة الأثيوبية مسلّحين في ذلك بالوعي بالإيديولوجية العموم أفريقية، لقيادة العملية التي أصبحت من خلالها الهويّة السّياسية الإثيوبية متداخلة مصيريًا مع الهويّة السّياسية لأفريقيا القارية. ومع ذلك، حتى مع تأسيس منظّمة الوحدة الأفريقية (OAU) – المعروفة حاليًا باسم الاتحاد الأفريقي (AU) – في عام 1963 في أديس أبابا، كانت علاقة إثيوبيا المتعالية والزّمنية مع المنحدرين من أصل أفريقي غامضة ولا تزال كذلك. والأهم من ذلك، أن الافتراضات المتعلّقة بإثيوبيا كأمّة ذات هويّة متميزة تستمر في الاشتغال المؤثّر ضمن سيرورة التّاريخ لنظام دولة منعزلة بنفسها وتنخرط في التّاريخ والثّقافة بدون استصحاب التّيارات الانتقائية النّظرية والمتعدّدة التّخصّصات للدّراسات الاستعمارية. لم يؤد هذا المنظور إلى إصابة المناقشات الفكرية والبحث بالعقم فحسب، بل أدّى أيضًا إلى إفقار الممارسة السّياسية.
لقد أدّى بالفعل غياب رؤية مستمدّة من المنظور العموم أفريقي؛ بالإضافة إلى تعاظم وجود الهيمنة السّياسية الاستعمارية، إلى صعوبة تتويج السّعي الإثيوبي للحصول على هويّة ما بعد استعمارية حديثة. لا يزال التّاريخ السّياسي العاصف والمضطرب لإثيوبيا في القرنين العشرين والحادي والعشرين ينتج أيضًا معرفة تستصحب، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، وتعبّر عن المشاكل التّاريخية والسّياسية والأخلاقية لتأثيرات الاستعمار. وعلى سبيل المثال، في مجال الفنون البصرية والأدب، استطاع الفنّانون والكُتّاب المعاصرون أن يكونوا مصدر إلهام لحيوات وتجارب الأثيوبيين؛ كما نجحوا في استقصاء أبعاد تلك التّجارب الحياتية بصورة مثمرة، باعتبار تلك الحيوات والتّجارب نتاج صريح لتاريخ معقّد لعلاقات القوّة. إن اهتمامهم الزّائد بشأن الثّورة الحضرية التي أثّرت على ملايين الأرواح، على سبيل المثال، يثير العديد من التّساؤلات حول استراتيجية التّمدّن الإثيوبي المتمثّلة في ثنائية الحظوة والإقصاء، فضلاً عن آثارها طويلة المدى. تتميّز أعمال مايكل تسيجاي وهيلين زيرو وبرهانو أشاغري، بالإضافة إلى كُتّاب مثل بيوكيتو سيوم وشيميليس بونسا، من بين العديد من الفنّانين والكُتّاب المعاصرين، بإبرازها الجّلي لأشكال من الهيمنة والإقصاء في سياق التّحضّر المديني. ومن المؤكّد أن هذه الأنواع من الاهتمامات السّياسية قد تردّد صداها أيضًا بين الموسيقيين وممارسي الفنون الأدائية، مما أدى إلى استحداث ذريعة في غاية الأهمية لانتقاد عدم المساواة والمناداة إلى المساواة والعدالة الاجتماعية.
في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، شهد الإثيوبيون أيضًا مستوى غير مسبوق من الهجرات، وخلقوا جاليات شتات أثيوبي جديدة، شكّلت الكيفية التي يتخيل بها الإثيوبيون أنفسهم في الدّاخل والخارج، واختلاق تمثّلات جديدة. يشكّل المهاجرون الأثيوبيون الآن مجتمعات شتات كبيرة في أمريكا الشّمالية وأوروبا، بالإضافة إلى عدد كبير من المهاجرين ممن يعيشون في القرن الأفريقي والشّرق الأوسط، وهي مجموعة سكّانية تتنازعها الأسئلة المعاصرة الملّحة، والمتعلّقة بالهجرة ،والعرق والمواطنة. وقد نشأت عن ذلك العديد من المخاوف ذات العلاقة بهذا الوضع، والتي أثّرت بصورة واضحة في أعمال الفنّانين الإثيوبيين في الشّتات، مثل الرّوائيين ديناو مينجيستو ومازا منجيستي، أو صانعي الأفلام مثل هايلي جيريما ويماني ديميسي، والذين قدموا لنا سرديات عديدة أبرزت بوضوح ساطع المشكلة المترتّبة على العدد القياسي للإثيوبيين الذين غادروا بلادهم خلال نصف القرن الماضي. يفتح هذا العمل الجديد مساحة نقدية للتّفكير في أسئلة الشّتات من منظور الدّراسات الإثيوبية، والتّفكير في الشّتات الإثيوبي من وجهة نظر الدّراسات الأفريقانية.
خُصّص الموسم الأوّل (من أكتوبر 2019 إلى مايو 2020) من برامج مبادرة “موسم دولة” لدولة إثيوبيا، وجاء تحت عنوان: أمّة حديثة- جذور عريقة. اشتمل الموسم على فعاليات علمية وثقافية متنوعة. نُظّم الجّزء الأوّل؛ والذي تضمّن محاضرة علمية وعروض مسرحية وسينمائية وغنائية في حرم معهد أفريقيا في الشّارقة، بينما نُظّم الجّزء الثّاني من الأنشطة العلمية والعامة افتراضيًا على شبكة الإنترنيت في 17 أكتوبر 2020، وذلك إبّان اجتياح جائحة كوفيد 19 للعالم بأكمله.
خُصّص الموسم الأوّل (من أكتوبر 2019 إلى مايو 2020) من برامج مبادرة “موسم دولة” لدولة إثيوبيا، وجاء تحت عنوان: أمّة حديثة- جذور عريقة. اشتمل الموسم على فعاليات علمية وثقافية متنوعة. نُظّم الجّزء الأوّل؛ والذي تضمّن محاضرة علمية وعروض مسرحية وسينمائية وغنائية في حرم معهد أفريقيا في الشّارقة، بينما نُظّم الجّزء الثّاني من الأنشطة العلمية والعامة افتراضيًا على شبكة الإنترنيت في 17 أكتوبر 2020، وذلك إبّان اجتياح جائحة كوفيد 19 للعالم بأكمله.
يسعى المؤتمر العلمي متعدّد التّخصّصات بعنوان: “إثيوبيا: أمّة حديثة – جذور عريقة” إلى استضافة مجموعة متميّزة من العلماء متعدّدي التّخصّصات للنّظر في قضايا الحداثة الإثيوبية في سياق وطني ودولي. تشمل هذه القضايا العديدة، على سبيل المثال لا الحصر، صورة إثيوبيا كدولة سوداء ذات سيادة وذات تأثير واضح ومهيمن على النّقاشات المحتدمة حول العديد من الحركات التي تراوحت من حركة العموم-أفريقية إلى المركزية-الإفريقية طوال القرن العشرين. يهدف المؤتمر إلى أن يتمخض عن طرح نموذج معرفي عابر للقوميات، والذي يمكن أن يلقي الضّوء على التّعقيدات السّياسية والثّقافية والفكرية الحالية التي تحيط بأقدم دولة قومية مستقلّة في إفريقيا.
هناك الكثير فيما يتعلّق بالهويّة الثّقافية والسّياسية لإثيوبيا مما قد يكون ملهمًا للجّمهور المعاصر. على سبيل المثال، بينما تجادل الأطروحة الاستعمارية بأن إفريقيا هي اختراع فريد للاستعمار الأوروبي، فإن الأطروحة غير الاستعمارية في الدّراسات العلمية الإثيوبية ترى إثيوبيا من خلال عدسة الاستثنائية، وهي أن إثيوبيا، التي لم يتم استعمارها أبدًا، هي “في” أفريقيا بدلاً عن أنها “من” أفريقيا. ومع ذلك، كانت إثيوبيا، وما زالت، رمزًا لفخر السّود في القارة الأفريقية والشّتات الأفريقي في كل أنحاء العالم. ومن الجّدير بالذّكر هنا ما قال به الباحث الأمريكي الأفريقي الرّاحل ويليام سكوت” “بحلول النّصف الأخير من القرن الماضي، أصبحت الأيدولوجية المعروفة باسم الأثيوبانوية (Ethiopianism)، القائمة على فهم لاهوتي لفكرة الخلاص والمصير العرقي عقيدة ميتة ومرفوضة في الغالب، وبالرّغم من اضمحلال أثرها الرّاهن إلّا أنّها قد ألهمت السّود الذين ينتمون إلى المعتقدات البروتستانتية في أجزاء من الشّتات الأفريقي لما يقرب من 250 عامًا “. للحركة الإثيوبانوية تاريخ طويل، عدَّده سكوت كرونولوجيًا على النّحو التّالي: الأثيوبانوية الجّنينية 1700–1800، الإثيوبانوية المؤسّسية 1800-1830، الإثيوبانوية الكلاسيكية 1830-186، الإثيوبانوية فيما بعد التّحرّر 1865-1915، الإثيوبانوية الزّنجية الجّديدة 1915-1930، الإثيوبانوية المسيحية 1930-1945 و الإثيوبانوية الحديثة 1945 حتى الوقت الحاضر.
أبدى الباحث الأمريكي الأفريقي الراحل دبليو إي بي دو بوا اهتمامًا كبيرًا بتطوير علاقة مثمرة بين الإثيوبيين والأمريكيين من أصل أفريقي، حيث مثّلت إثيوبيا بالنّسبة له الرّغبة في إنهاء الاستعمار وتنامي الوعي العموم-أفريقي. من خلال دمج تاريخ حضارات وادي النّيل في الماضي الإثيوبي، حاول دو بوا استيعاب إثيوبيا في المجال الأوسع لدراسات السّود / الأفارقة. الأهم من ذلك، لم يكن لدى دوبوا أي قراءة مضمرة للعلاقات التّاريخية التي حدثت في وادي النّيل. وبدلاً من ذلك، فإنه يفترض أن وادي النّيل، وفقًا لما أسماه فيكرو جبريكيدان، “مفترق طرق حضاري”. كتب دوبوا ما يلي في عام 1915: “كان التّواصل بين أفريقيا والجّزيرة العربية وأجزاء أخرى من آسيا لصيقًا جدًا واستمر لفترة طويلة، لدرجة أنه من المستحيل اليوم فصل روابط الدّم التي نتجت عن ذلك التّواصل اللّصيق.” ولكن لسوء الحظ، لم يرتقي مجال الدّراسات الإثيوبية إلى مستوى رؤية دوبوا لدراسات السّود / الأفارقة، وقد اجتزأ المؤرخون المعاصرون تاريخ وادي النّيل عن تاريخ إفريقيا رافضين أي صلة بين الاثنين.
بقدر ما يساعد منظور دوبوا على فضح افتراضات المركزية- الأوربية، التي تنظر بصورة سلبية تجاه إثيوبيا وأفريقيا عمومًا، وتضع الدّراسات الإثيوبية ضمن إطار الدّراسات السّوداء، إلا أن هذا المنظور، وتحديدًا حسب ما جاء في الاقتباس أعلاه، يمكن أن يجترح أسلوبًا مغايرًا للتّفكير حول دراسة إثيوبيا باعتبارها مفترق طرق، بحيث يفسر ذلك العلاقات المادية التّاريخية لشعوبها مع بقية إفريقيا والشّتات الأفريقي والعالم العربي وآسيا، وذلك على الرغم من علاقتهم المشحونة بالسّخط مع الغرب.
في الواقع، تصدى الإمبراطور هيلا سيلاسي، وحفنة من الدّبلوماسيين الإثيوبيين الذين تكيّفوا مع الطّبقات المثقّفة الأثيوبية مسلّحين في ذلك بالوعي بالإيديولوجية العموم أفريقية، لقيادة العملية التي أصبحت من خلالها الهويّة السّياسية الإثيوبية متداخلة مصيريًا مع الهويّة السّياسية لأفريقيا القارية. ومع ذلك، حتى مع تأسيس منظّمة الوحدة الأفريقية (OAU) – المعروفة حاليًا باسم الاتحاد الأفريقي (AU) – في عام 1963 في أديس أبابا، كانت علاقة إثيوبيا المتعالية والزّمنية مع المنحدرين من أصل أفريقي غامضة ولا تزال كذلك. والأهم من ذلك، أن الافتراضات المتعلّقة بإثيوبيا كأمّة ذات هويّة متميزة تستمر في الاشتغال المؤثّر ضمن سيرورة التّاريخ لنظام دولة منعزلة بنفسها وتنخرط في التّاريخ والثّقافة بدون استصحاب التّيارات الانتقائية النّظرية والمتعدّدة التّخصّصات للدّراسات الاستعمارية. لم يؤد هذا المنظور إلى إصابة المناقشات الفكرية والبحث بالعقم فحسب، بل أدّى أيضًا إلى إفقار الممارسة السّياسية.
لقد أدّى بالفعل غياب رؤية مستمدّة من المنظور العموم أفريقي؛ بالإضافة إلى تعاظم وجود الهيمنة السّياسية الاستعمارية، إلى صعوبة تتويج السّعي الإثيوبي للحصول على هويّة ما بعد استعمارية حديثة. لا يزال التّاريخ السّياسي العاصف والمضطرب لإثيوبيا في القرنين العشرين والحادي والعشرين ينتج أيضًا معرفة تستصحب، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، وتعبّر عن المشاكل التّاريخية والسّياسية والأخلاقية لتأثيرات الاستعمار. وعلى سبيل المثال، في مجال الفنون البصرية والأدب، استطاع الفنّانون والكُتّاب المعاصرون أن يكونوا مصدر إلهام لحيوات وتجارب الأثيوبيين؛ كما نجحوا في استقصاء أبعاد تلك التّجارب الحياتية بصورة مثمرة، باعتبار تلك الحيوات والتّجارب نتاج صريح لتاريخ معقّد لعلاقات القوّة. إن اهتمامهم الزّائد بشأن الثّورة الحضرية التي أثّرت على ملايين الأرواح، على سبيل المثال، يثير العديد من التّساؤلات حول استراتيجية التّمدّن الإثيوبي المتمثّلة في ثنائية الحظوة والإقصاء، فضلاً عن آثارها طويلة المدى. تتميّز أعمال مايكل تسيجاي وهيلين زيرو وبرهانو أشاغري، بالإضافة إلى كُتّاب مثل بيوكيتو سيوم وشيميليس بونسا، من بين العديد من الفنّانين والكُتّاب المعاصرين، بإبرازها الجّلي لأشكال من الهيمنة والإقصاء في سياق التّحضّر المديني. ومن المؤكّد أن هذه الأنواع من الاهتمامات السّياسية قد تردّد صداها أيضًا بين الموسيقيين وممارسي الفنون الأدائية، مما أدى إلى استحداث ذريعة في غاية الأهمية لانتقاد عدم المساواة والمناداة إلى المساواة والعدالة الاجتماعية.
في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، شهد الإثيوبيون أيضًا مستوى غير مسبوق من الهجرات، وخلقوا جاليات شتات أثيوبي جديدة، شكّلت الكيفية التي يتخيل بها الإثيوبيون أنفسهم في الدّاخل والخارج، واختلاق تمثّلات جديدة. يشكّل المهاجرون الأثيوبيون الآن مجتمعات شتات كبيرة في أمريكا الشّمالية وأوروبا، بالإضافة إلى عدد كبير من المهاجرين ممن يعيشون في القرن الأفريقي والشّرق الأوسط، وهي مجموعة سكّانية تتنازعها الأسئلة المعاصرة الملّحة، والمتعلّقة بالهجرة ،والعرق والمواطنة. وقد نشأت عن ذلك العديد من المخاوف ذات العلاقة بهذا الوضع، والتي أثّرت بصورة واضحة في أعمال الفنّانين الإثيوبيين في الشّتات، مثل الرّوائيين ديناو مينجيستو ومازا منجيستي، أو صانعي الأفلام مثل هايلي جيريما ويماني ديميسي، والذين قدموا لنا سرديات عديدة أبرزت بوضوح ساطع المشكلة المترتّبة على العدد القياسي للإثيوبيين الذين غادروا بلادهم خلال نصف القرن الماضي. يفتح هذا العمل الجديد مساحة نقدية للتّفكير في أسئلة الشّتات من منظور الدّراسات الإثيوبية، والتّفكير في الشّتات الإثيوبي من وجهة نظر الدّراسات الأفريقانية.
اشترك في قائمتنا البريدية واحصل على آخر الأخبار من معهد إفريقيا